فصل: حوادث سنة ثمان وخمسين ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر أخبار صاحب الزنج:

في هذه السنة سير جعلان لحرب صاحب الزنج بالبصرة، فلما وصل إلى البصرة نزل بمكان بينه وبين صاحب الزنج فرسخ، وخندق عليه وإلى أصحابه، وأقام ستة اشهر في خندقه، وجعل يوجه الزينبي وبني هاشم ومن خف لحربهم هذا اليوم الذي تواعدهم جعلان للقائه، فلم يكن بينهم إلا الرمي بالحجارة والنشاب، ولا يجد جعلان إلى لقائه سبيلأن لضيق المكان عن مجال الخيل، وكان أكثر أصحاب جعلان خيالة.
فلما طال مقامه في خندقه أرسل صاحب الزنج أصحابه إلى مسالك الخندق، فبيتوا جعلان، وقتلوا من أصحابه جماعة، وخاف الباقون خوفاً شديداً.
وكان الزينبي قد جمع البلالية والسعدية ووجه بهم من مكانين، وقاتلوا الخبيث، فظفر بهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، فترك جعلان خندقه وانصرف إلى البصرة، وظهر عجزه للسلطان، فصرفه عن حرب الزنج، وأمر سعيداً الحاجب بمحاربتهم.
وتحول صاحب الزنج، بعد ذلك، من السبخة التي كان فيهأن ونزل بنهر أبي الخصيب، وأخذ أربعة وعشرين مركباً من مراكب البرح، وأخذوا منها أموالاً كثيرة لا تحصى، وقتل من فيهأن ونهبها أصحابه ثلاثة أيام، وأخذه لنفسه بعد ذلك من النهب.

.ذكر دخول الزنج الأبلة:

وفيها دخل الزنج الأبلة، فقتلوا فيها خلقاً كثيراً وأحرقوها.
وكان سبب ذلك أن جعلان لما تنحى عن خندقه إلى البصرة ألح شناً صاحب الزنج بالغارات على الأبلة، وجعلت سراياه تضرب إلى ناحية نهر معقل، ولم يزل يحارب إلى يوم الأربعاء لخمس بقين من رجب، فافتتحها وقتل أبوالأحوص وعبيد الله بن حميد بن الطوسي، وأضرمها نارأن وكانت مبنية بالساج، فأسرعت النار فيهأن وقتل من أهلها خلق كثير، وحووا الأموال العظيمة، وكان ما أحرقت النار أكثر من الذي نهب.

.ذكر أخذ الزنج عبادان:

وفيها أرسل أهل عبادان إلى صاحب الزنج فسلموا إليه حصنهم.
وكان الذي حملهم على ذلك أنه لما فعل بأهل الأبلة ما فعل خاف أهل عبادان على أنفسهم، وأهليهم، وأموالهم، فكتبوا إليه يطلبون الأمان على أن يسلموا إليه البلد، فأمنهم وسلموه إليه، فأنفذ أصحابه إليهم، وأخذوا ما فيه من العبيد والسلاح، ففرقه في أصحابه.

.ذكر أخذهم الأهواز:

ولما فرغ العلوي البصري من الأبلة وعبادان طمع في الأهواز، فاستنهض أصحابه نحوجبى، فلم يلبث أهلها، وهربوا منهم، فدخلها الزنج، وقتلوا من رأوا بهأن وأحرقوا ونهبوأن وأخربوا ما وراءها إلى الأهواز، فلما بلغوا الأهواز هرب من فيها من الجند ومن أهلهأن ولم يبق إلا القليل، فدخلوها وأخربوها؛ وكان بها إبراهيم بن المدبر، متولي الخراج، فأخذوه أسيراً بعد أن جرح، ونهب جميع ماله، وذلك لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان، فلما فعل ذلك بالأهواز، وعبادان، والأبلة، خافه أهل البصرة، وانتقل كثير من أهلها في البلدان.

.ذكر عزل عيسى بن الشيخ عن الشام وولايته أرمينية:

لما استولى ابن الشيخ على دمشق، وقطع الحمل عن بغداد، اتفق أن ابن المدبر حمل مالاً من مصر إلى بغداد، مقدار سبعمائة ألف دينار، فأخذها عيسى بن الشيخ.
فأرسل من بغداد إليه حسين الخادم يطالبه بالمال، فذكر أنه أخرجه على الجند، فأعطاه حسين عهده على أرمينية ليقيم الدعوة للمعتمد، وكان قد امتنع من ذلك، فأخذ العهد، وأقام الدعوة للمعتمد، ولبس السواد، ظناً منه أن الشام تكون بيده.
فأنفذ المعتمد أماجور، وقلده دمشق وأعمالهأن فسار إليها في ألف رجل، فلما قرب منها أنهض عيسى إليه ولده منصوراً في عشرين ألف مقاتل، فلما التقوا انهزم عسكر منصور وقتل منصور، فوهن عيسى، وسار إلى أرمينية على طريق الساحل وولي أماجور دمشق.

.ذكر ابن الصوفي العلوي وخروجه بمصر:

وفيها ظهر بصعيد مصر إنسان علوي، وذكر أنه إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن بن أبي طالب، عليه السلام، ويعرف بابن الصوفي، وملك مدينة أسنأن ونهبهأن وعم شره البلاد.
فسير إليه أحمد بن طولون جيشأن فهزمه العلوي، وأسر المقدم على الجيش، فقطع يديه ورجليه وصلبه؛ فسير إليه ابن طولون جيشاً آخر فالتقوا بنواحي إخميم، فاقتتلوا قتالاً شديدأن فانهزم العلوي، وقتل كثير من رجاله، وسار هوحتى دخل الواحات، وسيرد ذكره سنة تسع وخمسين ومائتين، إن شاء الله تعالى.

.ذكر ظهور علي بن زيد على الكوفة وخروجه عنها:

في هذه السنة ظهر علي بن يزيد العلوي بالكوفة، واستولى عليها، وأزال عنها نائب الخليفة، واستقر بها.
فسير إليه الشاه بن ميكال في جيش كثيف، فالتقوا واقتتلوأن فانهزم الشاه، وقتل جماعة كثيرة من أصحابه، ونجا الشاه.
ثم وجه المعتمد إلى محاربته كيجور التركي، وأمره أن يدعوه إلى الطاعة، ويبذل له الأمان، فسار كيجور فنزل بشاهي، وأرسل إلى علي بن زيد يدعوه إلى الطاعة، وبذل له الأمان، فطلب علي أموراً لم يجبه إليها كيجور، فتنحى علي بن زيد عن الكوفة إلى القادسية، فعسكر بهأن ودخل كيجور إلى الكوفة ثالث شوال من السنة، ومضى علي بن زيد إلى خفان، ودخل بلاد بني أسد، وكان قد صاهرهم، وأقام هناك، ثم سار إلى حنبلاء.
وبلغ كيجور خبره، فأسرى إليه من الكوفة سلخ ذي الحجة من السنة، فواقعه، فانهزم علي بن زيد، وطلبه كيجور ففاته، وقتل نفراً من أصحابه، وأسر آخرين، وعاد كيجور إلى الكوفة؛ فلما استقامت أمورها عاد إلى سر من رأى أمر الخليفة، فوجه إليه الخليفة نفراً من القواد، فقتلوه بعكبرا في ربيع الأول سنة سبع وخمسين ومائتين.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها تقدم سعيد بن صالح الحاجب لحرب صاحب الزنج من قبل السلطان.
وفيها تحارب مساور الخارجي وأصحاب موسى بن بغا بناحية خانقين، وكان مساور في جمع كثير، وكان أصحاب موسى بن بغا نحومائتين، فالتقوا بمساور، وقتلوا من أصحابه جماعة كثيرة.
وفيها وثب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي، وهومن أهل فارس، ورجل من أكرادها يقال له أحمد بن الليث، بالحارث بن سيمأن عامل فارس، فحارباه وقتلاه، وغلب محمد بن واصل على فارس.
وفيها وجه مفلح لحرب مساور.
وفيها غلب الحسن بن زيد الطالبي على الري في رمضان، فسار موسى ابن بغا إلى الري في شوال وشيعه المعتمد.
وفيها توفي الإمام أبوعبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي صاحب المسند الصحيح، وكان مولده سنة أربع وتسعين ومائة.

.حوادث سنة سبع وخمسين ومائتين:

.ذكر عود أبي أحمد الموفق من مكة إلى سر من رأى:

لما اشتد أمر الزنج، وعظم شرهم، وأفسدوا في البلاد، أرسل المعتمد على الله إلى أخيه أبي أحمد الموفق، فأحضره من مكة، فلما حضر عقد له على الكوفة، وطريق مكة، والحرمين، واليمن، ثم عقد له على بغداد، والسواد، وواسط، وكور دجلة، والبصرة، والأهواز، وفارس، وأمر أن يعقد لياركوج على البصرة، وكور دجلة، والبحرين، واليمامة، مكان سعيد ابن صالح، فاستعمل ياركوج منصور بن جعفر الخياط على البصرة، وكور دجلة إلى ما يلي الأهواز.

.ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب:

وفيها في رجب أوقع سعيد الحاجب بجماعة من الزنج، فهزمهم، واستنقذ ما معهم من النساء، والنهب، وجرح سعيد عدة جراحات.
وبلغه الخبر بمع آخر منهم، فسار إليهم، فلقيهم، فهزمهم أيضأن واستنقذ ما معهم، فكانت المرأة من تلك الناحية تأخذ الزنجي فتأتي به عسكر سعيد، فلا يمتنع عليها.
وعسكر سعيد بهطة، ثم عبر إلى غرب دجلة، فأوقع بصاحب الزنج عدة وقعات، ثم عاد إلى معسكره بهطة، فأقام إلى باقي رجب، وعامة شعيان.

.ذكر خلاص ابن المدبر من الزنج:

وفيها تخلص إبراهيم بن محمد بن المدبر من حبس الزنج، وكان سبب خلاصه أنه كان محبوساً في بيت يحيى بن محمد البحراني، ووكل به رجلين، منزلهما ملاصق المنزل الذي فيه إبراهيم، فضمن لهما مالأن ورغبهمأن فعملا سرباً إلى البيت الذي فيه إبراهيم، فخرج هووابن أخ له يقال له أبوغالب ورجل هاشمي.

.ذكر انهزام سعيد من الزنج وولاية منصور بن جعفر البصرة:

وفيها أوقع العلوي صاحب الزنج بسعيد، وكان سير إليه جيشأن فأوقعوا به ليلأن وأصابوا مقتلة من أصحاب سعيد، فقتلوا خلقاً كثيرأن وأحرقوا عسكره، فضعف هوومن معه، فأمر بالمسير إلى باب الخليفة.
ونزل بفراج بالبصرة، فسار سعيد عن البصرة، وأقام بها بفراج يحمي أهلهأن فرد السلطان أمرها إلى منصور بن جعفر الخياط، بعد سعيد الحاجب، وكان منصور يبذرق السفن، ويحميهأن وسيرها إلى البصرة، فضاقت الميرة على الزنج، فجمع منصور الذا فأكثر منهأن وسار نحوصاحب الزنج، فكمن له صاحب الزنج، فلما أقبل خرجوا عليه، فقتلوا في أصحابه مقتلة عظيمة، وغرق منهم خلق كثير، وحملوا من رؤوس أصحابه إلى البحراني ومن معه من الزنوج بنهر معقل.

.ذكر انهزام جيش الزنج بالأهواز:

وفيها أرسل صاحب الزنج جيشاً مع علي بن أبان لقطع قنطرة أربك، فلقيهم إبراهيم بن سيما منصرفاً من فارس، فأوقع بجيش العلوي فهزمهم، وقتل منهم، وجرح علي بن أبان.
ثم إن إبراهيم سار قاصداً نهر جي، فأمر كاتبه شاهين بن بسطام بالمسير على طريق آخر ليوافيه بنهر جي، بعد الوقعة مع علي بن أبان، وكان علي بن أبان قد سار من الوقعة فنزل بالخيزرانية، فأتاه رجل فأخبره بإقبال شاهين إليه، فسار نحوه، فاتقيا وقت العصر بموضع بين جي ونهر موسى، واقتتلوا قتالاً شديدأن ثم صدمهم الزنج صدمة صادقة فهزموهم، وقتلوا شاهين وابن عم له، وقتل معه خلق كثير.
فلما فرغ الزنج منهم أتاهم الخبر بقرب إبراهيم بن سيما منهم، فسار علي نحوه، فوافاه وقت العشاء الآخرة، فأوقع بإبراهيم دفعة أخرى شديدة قتل فيها جمعاً كثيراً.
قال علي بن أبان: وكان أصحابي قد تفرقوا بعد الوقعة مع شاهين، ولم يشهد معي حرب إبراهيم غير خمسين رجلأن وانصرف علي إلى جي.

.ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها:

لما سار سعيد عن البصرة ضم السلطان عمله إلى المنصور بن جعفر الخياط، وكان منه ما ذكرنأن ولم يعد منصور لقتاله، واقتصر على تخفير القيروانات والسفن، فامتنع أهل البصرة، فعظم ذلك على العلوي، فتقدم إلى علي بن أبان بالخيزرانية ليشغل منصوراً عن تسيير القيروانات، فكان بنواحي جي والخيزرانية، وشغل منصورأن فعاد أهل البصرة إلى الضيق، وألح أصحاب الخبيث عليهم بالحرب صباحاً ومساءً.
فلما كان في شوال أزمع لخبيث على جمع أصحابه لدخول البصرة، والجد في إخرابها لضعف أهلها وتفرقهم، وخراب ما حولهم من القرى، ثم أمر محمد ن يزيد الدارمي، وهوأحد من صحبه بالبحرين، أن يخرج إلى الأعراب ليجمعهم، فأتاه منهم خلق كثير، فأناخوا بالقندل، ووجه إليهم العلوي سليمان بن موسى الشعراني، وأمرهم بتطرق البصرة والإيقاع بها ليتمرن الأعراب على ذلك، ثم أنهض علي بن أبان، وضم إليه طائفة من الأعراب، وأمره بإتيان البصرة من ناحية بني سعيد، وأمر يحيى بن محمد البحراني بإتيانها مما يلي نهر عدي، وضم إليه سائر الأعراب.
فكان أول من واقع أهل البصرة علي بن أبان، وبفراج يومئذ بالبصرة، في جماعة من الجند، فأقام يقاتلهم يومين ومال الناس نحوه.
وأقبل يحيى بن محمد فيمن معه نحوالجسر، فدخل علي بن أبان وقت صلاة الجمعة لثلاث عشرة بقيت من شوال، فأقام يقتل ويحرق يوم الجمعة، وليلة السبت، ويوم السبت، وغادي يحيى البصرة يوم الأحد، فتلقاه بفراج وبرية في جمع فردوه، فرجع يومه ذلك.
ثم غاداهم اليوم الآخر، فدخل وقد تفرق الجند، وهرب برية، وانحاز بفراج ومن معه، ولقيه إبراهيم بن يحيى المهلبي، فاستأمنه لأهل البصرة، فأمنهم، فنادى منادي إبراهيم: من أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم، فحضر أهل البصرة قاطبة، حتى ملأوا الرحاب، فلما رأى اجتماعهم انتهز الفرصة لئلا يتفرقوأن فغدر بهم، وأمر أصحابه بقتلهم، فكان السيف يعمل فيهم، وأصواتهم مرتفعة بالشهادة، فقتل ذلك الجمع كله، ولم يسلم إلا النادر منهم، ثم انصرف يومه ذلك إلى الحربية.
ودخل علي بن أبان الجامع فأحرقه، وأحرقت البصرة في عدة مواضع، منها المربد، وزهران، وغيرهمأن واتسع الحريق من الجبل إلى الجبل، وعظم الخطب، وعمها القتل والنهب والإحراق، وقتلوا كل من رأوا بهأن فمن كان من أهل اليسار أخذوا ماله وقتلوه، ومن كان فقيراً قتلوه لوقته، وبقوا كذلك عدة أيام.
ثم أمر يحيى أن ينادي بالأمان ليظهروأن فلم يظهر أحد؛ ثم انتهى الخبر إلى الخبيث، فصرف علي بن أبان عنهأن وأقر يحيى عليها لموافقته هواه في كثرة القتل، وصرف علياً لإبقائه على أهلهأن فهرب الناس على وجوههم وصرف الخبيث جيشه عن البصرة.
فلما أخبر البصرة إلى يحيى بن زيد، وذلك لمصير جماعة من العلويين إليه، وكان فيهم علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد وجماعة من نسائهم، فترك الانتساب إلى عيسى بن زيد وانتسب إلى يحيى بن زيد، قال القاسم بن الحسن النوفلي: كذب، إن يحيى لم يعقب غير بنت ماتت وهي ترضع.

.ذكر مسير المولد لحرب الزنج:

وفيهأن في ذي القعدة، أمر المعتمد أحمد المولد بالمسير إلى البصرة لحرب الزنج، فسار فنزل الأبلة، وجاء برية فنزل البصرة، واجتمع إليه من أهلها خلق كثير، فسير العلوي إلى حرب المولد يحيى بن محمد، فسار غليه فقاتله عشرة أيام، ثم وطن المولد نفسه على المقام، فكتب العلوي إلى يحيى يأمره بتبييت المولد، ووجه إليه الشذا مع أبي الليث الأصفهاني، فبيته، ونهض المولد فقاتله تلك الليلة، ومن الغد إلى العصر، ثم انهزم عنه.
ودخل الزنج عسكره فغمنوا ما فيه، فاتبعه إلى الجامدة، فأوقع بأهلهأن ونهب تلك القرى جيمعهأن وسفك ما قدر عليه من الدماء، ثم رجع إلى نهر معقل.

.ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها:

وفي هذه السنة سار يعقوب بن الليث إلى فارس، فأرسل إليه المعتمد ينكر ذلك عليه، فكتب إليه الموفق بولاية بخ، وطخارستان، وسجستان، والسند، فقبل ذلك وعاد، وسار إلى بلخ وطخارستان، فلما وصل إلى بلخ نزل بظاهرهأن وخرب نوشاد، وهي أبنية كان بناها داود بن العباس ابن ماجور خارج بلخ.
ثم سار يعقوب من بلخ إلى كابل، واستولى عليهأن وقبض على زنبيل، وأرسل رسولاً إلى الخليفة، ومعه هدية جليلة المقدار، وفيها أصنام أخذها من كابل وتلك البلاد، وسار إلى بست فأقام بها سنة.
وسبب إقامته أنه أراد الرحيل، فرأى بعض قواده قد حمل بعض أثقاله، فغضب وقال: أترحلون قبلي؟ وأقام سنة، ثم رجع إلى سجستان، ثم عاد إلى هراة، وحاصر مدينة كروخ حتى أخذهأن ثم سار إلى بوشنج، وقبض على الحسين بن طاهر بن الحسين الكبير، وأنفذ إليه محمد بن طاهر ابن عبد الله، فسأله إطلاقه وهم عم أبيه الحسين بن طاهر، فلم يفعل، وبقي في يده.

.ذكر ملك الحسن بن زيد العلوي جرجان:

وفي هذه السنة قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان جرجان واستولى عليهأن وكان محمد بن طاهر، أمير خراسان، لما بلغه ذلك من عزم الحسن على قصد جرجان قد جهز العساكر فأنفق عليها أموالاً كثيرة، وسيرها إلى جرجان لحفظهأن فلما قصدها الحسن لم يقوموا له، وظفر بهم، وملك البلد، وقتل كثيراً من العساكر، وغمن هووأصحابه ما عندهم.
وضعف حينئذ محمد بن طاهر، وانتقض عليه كثير من الأعمال التي كان يجيء خراجها إليه، فلم يبق في يده إلا بعض خراسان، وأكثر ذلك مفتون بالمتغلبين في نواحيهأن والشراة الذين يعيثون في عمله، فلا يمكنه دفعهم، فكان ذلك سبب تغلب يعقوب الصفار على خراسان، كما نذكره سنة تسع وستين ومائتين، إن شاء الله تعالى.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها أخذ أحمد المولد سعد بن أحمد بن سعد الباهلي، وكان قد تغلب على البطائح، وأفسد الطريق، وحمل إلى سامرأن فضرب سبع مائة سوط فمات، وصلب ميتاً.
وحج بالناس الفضل بن إسحاق بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن محمد بن علي.
وفيها وثب بسيل المعروف بالصقلبي، وإمنا قيل له الصقلبي، وهومن بيت المملكة، لأن أمه صقلبية، على ميخائيل بن توفيل ملك الروم، فقتله؛ وكان ملك ميخائيل أربعاً وعشرين سنة، وملك بسيل الروم.
وفيها أقطع المعتمد مصر وأعمالها لياركوج التركي، فأقر عليها أحمد بن طولون.
وفيها فارق عبد العزيز بن أبي دلف الري من غير خوف، وأخلاهأن فأرسل إليها الحسن بن زيد العلوي، صاحب طبرستان، القاسم بن علي بن القاسم بن علي العلوي، المعروف بدليس، فغلب عليهأن فأساء السية في أهلها جدأن وقلعوا أبواب المدينة، وكانت من حديد، وسيرها إلى الحسن بن زيد، وبقي كذلك نحوثلاث سنين.
وفيها خرج علي بن مساور الخارجي، وخارجي آخر اسمه طوق من بني زهير، فاجتمع إليه أربعة آلاف، فسار إلى أذرمة، فحاربه أهلهأن فظفر بهم، فدخلها بالسيف، وأخذ جارية بكراً بجعلها فيئأن وافتضها في المسجد، فجمع عليه الحسن بن أيوب بن أحمد العلوي جمعاً كثيرأن فحاربه فقتله، وقطع رأسه وأنفذه إلى سامرا.
وفيها قتل محمد بن خفاجة، أمير صقلية، قتله خدمه نهارأن وكتموا قتله، فلم يعرف إلا من الغد، وكان الخدم الذين قتلوه قد هربوأن فطلبوا فأخذوأن وقتل بعضهم، ولما قتل استعمل محمد بن أحمد بن الأغلب على صقلية أحمد بن يعقوب بن المضاء بن سلمة فلم تطل أيامه، ومات سنة ثمان وخمسين ومائتين.
وفيها توفي الحسن بن عمر العبدي، وكان مولده سنة خمسين ومائة بسر من رأى.
وفيها توفي أبوالفضل العباس بن الفرج الرياشي اللغوي، من كبارهم، وروى عن الأصمعي وغيره.
وفيها توفي محمد بن الخطاب الموصلي، وكان من أهل العلم والزهد.

.حوادث سنة ثمان وخمسين ومائتين:

.ذكر قتل منصور بن جعفر الخياط:

في هذه السنة قتل منصور بن جعفر الخياط، وكان سبب قتله أن اللوي البصري لما فرغ من أمر البصرة أمر علي بن أبان بالمسير إلى جي لحرب منصور ابن جعفر، وهويلي يومئذ الأهواز، وأقام بإزائه شهرأن وكان منصور في قلة من الرجال، فأتى عسكر علي وهوبالخيزرانية.
ثم إن الخبيث، صاحب الزنج، وجه إلى علي باثنتي عشرة شذاة مشحونة بجلة أصحابه، وولى أمرهم أبا الليث الأصبهاني، وأمره بطاعة علي، فلما صار إلى خالفه، واستبد عليه، وجاء منصور كما كان يجيء للحرب، فتقدم إليه أبوالليث، عن غير إذن علي، فظفر به منصور وبالشذوات التي معه،، وقتل فيها من البيض والزنج خلقاً كثيرأن وأفلت أبوالليث، ورجع إلى الخبيث.
ثم إن علياً وجه طلائع يأتونه بخبر منصور، وأسرى إلى وال كان لمنصور كرنبأن فقتله وقتل أكثر أصحابه، وغمن ما كان معهم ورجع.
وبلغ الخبر منصورأن فأسرى إلى الخيزرانية، وخرج إليه علي، فتحاربوا إلى الظهر، ثم انهزم منصور، وتفرق عنه أصحابه، وانقطع عنهم، وأدركته طائفة من الزنج، فحمل عليهم، وقاتلهم حتى تكسر رمحه، وفني نشبه، ثم حمل حصانه ليعبر النهر، فوقع في النهر، ولم يعبره.
وكان سبب وقوعه أن بعض الزنج رآه حين أراد أن يعبر النهر، فألقى نفسه في النهر قبل منصور وتلقى الفرس حين وثبت فنكص، فلما سقط في النهر قتله الأسور، وأخذ سلبه، وقتل معه أخوه خلف بن جعفر وغيره، فولي ياركوج ما كان إلى منصور بن جعفر من العمل.

.ذكر مسير أبي أحمد إلى الزنج وقتل مفلح:

وفيهأن في ربيع الأول، عقد المعتمد لأخيه أبي أحمد على ديار مصر، وقنسرين، والواصم، وخلع عليه وعلى مفلح في ربيع الآخر، وسيرهما إلى حرب الزنج بالبصرة، وركب المعتمد معه يشيعه، وسار نحوالبصرة، ونازل العلوي وقاتله.
وكان سبب تسييره ما فعله بالبصرة، واكبر الناس ذلك، وتجهزوا إليه وساروا في عدة حسنة كاملة، وصحبه من سوقة بغداد خلق كثير.
وكان علي بن أبان يجي، على ما ذكرنأن وسار يحيى بن محمد البحراني إلى نهر العباس، ومعه أكثر الزنوج، فبقي صاحبهم في قلة من الناس، وأصحابه يغادون البصرة ويراوحونها لنقل ما نالوه منها؛ فلما نزل عسكر أبي أحمد بنهر معقل، احتفل من فيه من الزنوج إلى صاحبهم مرعوبين، وأخبروه بعظم الجيش وأنهم لم يرد عليهم مثله، وأحضر رئيسين من أصحابه، فسألهما عن قائد الجيش فلم يعرفاه، فجزع، وارتاع.
ثم أرسل إلى علي بن أبان يأمره بالمسير إليه فيمن معه، فلما كان يوم الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى أباه بعض قواده، فأخبره بمجيء العسكر وتقدمهم، وأنهم ليس في وجوههم من يرده من الزنوج، وكذبه، وسبه، وأمر فنودي في الزنوج بالخروج إلى الحرب، فخرجوأن فرأوا مفلحاً قد أتاهم في عسكر لحربهم، فقاتلهم، فبيمنا مفلح يقاتلهم إذ أتاه سهم غرب لا يعرف من رمي به، فأصابه، فرجع وانهزم أصحابه، وقتلوا فيهم قتلاً ذريعأن وحملوا الرؤوس إلى العلوي، واقتسم الزنج لحوم القتلى.
فأتي بالأسرى، فسألهم عن قائد الجيش، فأخبروه أنه أبواحمد، ومات مفلح من ذلك السهم، فلم يلبث العلوي إلا يسيراً حتى وافاه علي بن أبان.
ثم إن أبا احمد رحل نحوالأبلة ليجمع ما فرقته الهزيمة، ثم سار إلى نهر أبي الأسد، ولما علم الخبيث كيف قتل مفلح، ولم ير أحداً يدعي قتله، زعم أنه هوالذي قتله، وكذب فإنه لم يحضره.